ما غاب هنا يحضر هناك، أوكرانيا ليست سوريا حتماً

ما زال العالم يقف على قدم واحدة بعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، وإعادة أوروبا بأكملها إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، بين الصدمة أن روسيا فعلتها حقاً وغزت دولة أخرى بحرب شاملة، وبين من لم يفهم حتى الآن ما حصل ويقرأ في الجيوسياسة الدولية لعله يفهم.

بوتين سيحتل أوكرانيا، باتت هذه حقيقة وربما مسألة وقت فقط، لأن السياق يشير إلى ذلك، روسيا تهجم بكل قوتها وثقلها العسكري، وأوكرانيا تُركت وحدها إلا من بعض المساعدة العسكرية الخجولة والمزيد من العقوبات الاقتصادية متعددة الأطراف، والكثير الكثير من التصريحات التي لن تغير من موازين المعركة. لكن ماذا بعد؟ ما الخطوة الروسية التالية داخل أوكرانيا نفسها؟

مراكز صنع القرار الدولي كانت تعلم بالغزو الروسي لأوكرانيا منذ أشهر، لكنها لم تتحرك بشكل جاد لإيقافه، كانت تملك كل الوقت لردع روسيا عندما كانت الحرب مجرد فكرة في عقل بوتين، كان لدى العالم الوقت لتسليح أوكرانيا بشكل يجعل من مغامرة روسيا في الأراضي الأوكرانية أقرب للكوابيس، لكن أحداً لم يفعل.

إنه الفخ الذي رُسم لروسيا لتدخل غياهب أوكرانيا الموحشة، وتضع نفسها بنفسها في الزاوية الصعبة. ما ينتظر روسيا داخل أوكرانيا يؤكد فعلًا أن بوتين لم يتعلم من الدرس السوري أبداً.

أظهر الشعب الأوكراني مقاومة شرسة في الدفاع عن أرضه، وتضامنت العديد من شعوب العالم في دعمهم، وأبدت دول عديدة الاستعداد لتزويدهم بالأسلحة. ألا يذكركم هذا بشيء؟ إنه السيناريو السوري الذي انخدع بوتين فيه بانتصار وهمي، لكن الاختلاف أكبر كثير والتكلفة التي ستدفعها روسيا في أوكرانيا أكبر بكثير.

في سوريا لم تخسر روسيا كثيراً، فقد دفع جنود النظام والميلشييات الموالية لهم الثمن عسكرياً، ودفع الشعب السوري الثمن اقتصادياً، بينما ربحت روسيا النفوذ والسلطة، ومازال المستقبل السوري غامض وسط استنزاف أمني وعسكري واقتصادي يعانيه النظام. أما في أوكرانيا، فإن روسيا تدفع الثمن عسكرياً واقتصادياً بشكل مباشر، والمستقبل يبشر باستنزاف عسكري وأمني طويل الأمد.

في سوريا، كانت روسيا تمهد للنظام السيطرة على الأرض ثم تتركه ليواجه العواقب الأمنية والأعباء الاقتصادية والاجتماعية. أما في أوكرانيا، فإن روسيا من ستواجه مرحلة ما بعد السيطرة العسكرية، وجنودها على الأرض من سيواجه المقاومة الأوكرانية التي تبدو جاهزة لحرب استنزاف أمنية طويلة الأمد. بينما اقتصادياً واجتماعياً لا نعلم من أين ستبدأ روسيا لملمة خسائرها في ظل حزمة عقوبات وقطيعة اقتصادية دولية لم تواجهها من قبل.

في سوريا، فرضت روسيا التسويات وما أسمتها بـ “المصالحات” في مناطق عديدة، واعتبرتها إنجازاً لدورها، ظناً منها أن دمية قصر المهاجرين استعاد نفوذه وسلطته، بينما في الواقع فلا المصالحة وقعت ولا المقاومة انتهت بينما الدماء تُراق على الطرقات، ولأن بوتين لم يتعلم من الدرس السوري، يبدو أنه يفكر بذات العقلية في أوكرانيا ويخطط لحكومة دمى موالية له في كييف ثم يحاول فرضها وإقناع الشعب بها ويظن أن الأمور ستنجح فعلًا!

في سوريا، عجزت روسيا عن فرض سيطرة كاملة، بينما تحابي أمريكا والأكراد شرقاً وتركيا شمالاً والأردن جنوباً، بينما إسرائيل تسرح وتمرح في كل الجغرافيا السورية، فلا نعلم كيف يفكر بوتين في حلحلة الوضع في أوكرانيا وهو يقف على حدود الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يحشد قواته ويفعل خططه الدفاعية.

في سوريا، اكتفت روسيا بقاعدة عسكرية واحدة لتفرض النفوذ في الجو، بينما في أوكرانيا فإن “الستنغر” في انتظار الطائرات الروسية.

أوهم العالم بوتين ومن معه بانتصار في سوريا، فأصابت العنجهية قيصر الكرملين، وبات يبحث عن استعادة أمجاد السوفييت التي دفنها الأوروبيون منذ عقود، تورطت روسيا في أوكرانيا، ولعل خسارتها لن تتوقف هناك فقط وبات الوقت واقعًا لتخسر معركتها في أوكرانيا وانتصارها الوهمي في سوريا.

المصدر السورية. نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا