“هجوم الكلية الحربية” بحمص.. لماذا تثير رواية النظام الشكوك؟

مضى 24 ساعة على “هجوم المسيّرات” الذي استهدف الكلية الحربية بحمص، دون أن يحدد نظام الأسد “جهة بعينها” تقف وراء الحادثة غير المسبوقة.

ورغم أنه أصدر بياناً رسمياً وتحدث عن “اعتداء إرهابي” أثارت الرواية الرسمية شكوك مراقبين وضباط منشقين عن جيش النظام.

وأسفر “الهجوم” حسب وزير الصحة في حكومة الأسد، حسين الغباش عن مقتل 89 من طلاب الضباط المتخرجين من “الكلية الحربية” ومدنيين من أقربائهم، بينما تجاوز عدد المصابين حاحز 270 مصاباً، توزعوا على مختلف مشافي البلاد، منذ ظهر يوم الخميس.

والهجوم هو الأول من نوعه الذي يستهدف الكلية الحربية المحاطة بتجمع ثكنات عسكرية في حمص وسط سورية.

وتخضع مدينة حمص بالكامل لسيطرة نظام الأسد، بينما تقع “الكلية الحربية” بالقرب من حي الوعر الحمصي في منطقة أمنية وعسكرية بامتياز، وتتموضع فيها العديد من الثكنات العسكرية، التي يصعب الوصول إليها، ليس فقط في الوقت الحالي، بل قبل انطلاقة الثورة السورية عام 2011.

ولم يحدد النظام حتى الآن الجهة المسؤولة عن “الهجوم”، كما لم تنشر وسائل إعلامه صوراً لـ”الطائرات المسيرة” التي استهدفت الطلاب الضباط على المنصة، أثناء التقاط الصور مع ذويهم، بعد انتهاء حفل “التخريج”.

كما لم يحدد النظام أيضاً عدد “المسيّرات” ونوعها والاتجاه الذي جاءت منه، وما إذا كانت أنظمه دفاعه الجوية قد تعاملت معها خلال اقترابها من “حفل التخريج”، والذي يجرى في كل عام، ويحضره مسؤولون كيار من وزارة الدفاع، على رأسهم الوزير.

“أسئلة دون أجوبة”

وعلى مدى السنوات الماضية وحتى في أعقاب انطلاقة الثورة السورية وتحولها لحراك مسلح، كانت “الكلية الحربية” في حمص بعيدة عن مسرح المواجهات، رغم أنها قريبة من حي الوعر، الذي سيطرت عليه فصائل المعارضة لسنوات، قبل أن تخرج منه بموجب اتفاق، عام 2017.

وبعدما أحكمت قوات النظام سيطرتها على كامل حمص، قبل 6 سنوات، مكللّة ذلك بالدخول إلى حي الوعر تحولت مدينة حمص إلى منطقة نفوذ خالصة لنظام الأسد، كما هو الحال بالنسبة للعاصمة دمشق وحماة وطرطوس واللاذقية.

ولذلك تطلق رواية وزارة دفاع الأسد بأن ما حصل “هجوم بالمسيرات” تساؤلات عن كيفية وصولها إلى منطقة “الكليات الحربية” غربي حمص، ولاسيما أن المدينة بعيدة عن خطوط الجبهات سواء في الشمال أو الشرق بمسافة تزيد عن 100 كيلومتر.

ويقول الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، محسن مصطفى، إنه “وفي حال صحّت رواية النظام  وبأن لديه معلومات استخباراتية عن تحضيرات لاستهداف الكلية لماذا لم تتفعل منظومات الدفاع الجوي؟”.

ويضيف مصطفى لموقع “السورية.نت”: “وحتى إذا فعلها فهي فشلت باعتراضها كما تشير المعطيات الأولوية”، مشيراً إلى أنه يرى ضلوعاً لنظام الأسد في الحادثة.

وتحظى “الكلية الحربية” برمزية عند نظام الأسد، وفي الوقت الحالي “تمثل رمزاً لجيش النظام ولها قدسية في أوساطه”.

وبغض النظر عن الجهة المسؤولة، يعتقد المحلل العسكري، العقيد المنشق عن النظام، فايز الأسمر أن “استهداف الكلية الحربية كمعقل من معاقل النظام، والتي تخرّج سنوياً أكثر من 1500 ضابط باختصاصاتهم المختلفة يعد خرقاً أمنياً كبيراً”.

ويقول الأسمر لموقع “السورية.نت” إن “رواية النظام حول الحادثة بأن المنفذين هم جماعات إرهابية مدعومة من أطراف خارجية مشكوك فيها”.

وحتى الآن تضع الحادثة الكثير من إشارات الاستفهام، حسب الأسمر، ويتابع: “كيف وصلت هذه الطائرات المسيرة إلى مبنى الكلية الحربية، والذي من المفترض أن يكون محاطاً براً وجواً بإجراءات أمنية مشددة وعالية المستوى؟”.

ومناسبة “تخريج الطلاب الضباط” عادة ما يحضرها وزير الدفاع كممثل للقائد العام للجيش، إلى جانب قادة أمنيين وسياسيين وسفراء دول، وملحقين عسكريين”.

وكما أشار الباحث مصطفى يوضح العقيد الأسمر متسائلاً: “أين الاعتراض لهذه المسيرات؟ وأين غابت وسائط الدفاع الجوي للنظام والروس والإيرانيين؟، التي تعج فيها مدينة حمص وأطرافها”.

ولا يمكن أن يكون “الهجوم” قد نفذ بطائرة واحدة، وأسقط كل هذا الكم من القتلى والجرحى، و”إما أن تكون هناك عدة طائرات مشاركة أو كانت هناك عبوات ناسفة مزروعة في المكان وتم تفجيرها في الوقت نفسه”.

ويتابع العقيد المنشق: “أين قراءة قاعدة حميميم، وقراءات الرادارات الموجودة في المنطقة. الروس لديهم الإمكانيات التقنية لتحديد المكان الذي أقلعت منه والكريدور الجوي ونوع الطائرات المسيرة”.

“لا صور ولا توثيق”

وبين عام وآخر تشهد “الكلية الحربية” احتفالاً لتخريج الطلاب الضباط، وخلال السنوات الماضية كانت تنشر الكثير من الصور والتسجيلات المصورة التي توثق هذه اللحظة، التي يتابعها ويسلط النظام الضوء عليها بأهمية بالغة.

لكن ومنذ لحظة تنفيذ “هجوم المسيّرات” لم يُنشر إلا تسجيلين مصورين، أظهرا اللحظات الأولى ما بعد الهجوم وظهر فيها عدد من الضحايا والمصابين وسط هلع الضباط الخريجين والأهالي بين مشاهد الدماء.

وسمع في إحدى التسجيلات إطلاق كثيف للنيران لم يعرف مصدرها ولا من كانت تستهدف، وعدد من المصابين وهم ممدين أمام “منصة التخريج” في ساحة القادسية البارزة بـ”الكلية الحربية”.

ويشير الباحث محسن مصطفى إلى أن “الكلية تشهد سنوياً تخريج ما بين 1500 إلى 1700 طالب ضابط، ويرافق هؤلاء في هذه المناسبة عائلاتهم، ليصل العدد الكلي في ساحة القادسية إلى حدود 4 آلاف شخص”.

ويقول مصطفى: “لماذا لم ينشر أي تسجيل مصور أو صور من الأشخاص الذين وثقوا حفل التخريج يوم الخميس، وخاصة أن المناسبة مخصصة للتوثيق والتقاط الصور!”.

ويعتقد المحلل العسكري فايز الأسمر أن “الفصائل والجماعات الإسلامية لا تملك الإمكانيات التقنية والطائرات المسيرة الحديثة والمسلحة بهذا الكم من الذخائر والقادرة على قطع مسافة أكثر من 120 كيلومتراً للوصول للهدف، مع القدرة على تجاوز الرادارات ووسائط الدفاع الجوي المنتشرة بكثافة في طريقها”.

وبالتالي يعتقد العقيد المنشق أن “إيران بالتواطئ مع مخابرات النظام أو بدونه هي المسؤولة الأقرب عن هذه العملية”، إذ “تملك القدرات والإمكانيات التسليحية والتقنية والتحرك بحرية على الأراضي وفي الأجواء السورية”.

ويوضح ذات المتحدث أن “الكلية الحربية هي أم الكليات في الجيش وأقدم الكليات العسكرية وهي من أهم القلاع التي ترفد جيش النظام بآلاف الضباط الأكاديميين والاختصاصيين كل عام”.

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا